Refutation of the False Allegations against Shaykh Khalil Ahmad Saharanpuri [Arabic]


بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب عما اتهم به العلامة خليل أحمد السهارنفوري رحمه الله

قال أحمد رضا خان البريلوي في ‘حسام الحرمين’: [صرح (أي: العلامة خليل أحمد السهارنپوري صاحب بذل المجهود في حل أبي داود) في كتابه البراهين القاطعة…بأن شيخهم إبليس أوسع علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نصه الشنيع بلفظه الفظيع: ((إن هذه السعة فى العلم ثبتت للشيطان وملك الموت بالنص، وأي نص قطعي في سعة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يرد به النصوص جميعا ويثبت شرك؟)) وكتب قبله: ((إن هذا الشرك ليس في حبة خردل من إيمان))]. ثم قال البريلوي: [وقد قال في نسيم الرياض كما تقدم: ((من قال فلان أعلم منه صلى الله عليه وسلم فقد عابه ونقصه فهو ساب، والحكم فيه حكم الساب من غير فرق لا نستثني منه صورة، وهذا كله إجماع من لدن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.))]. وقال: [يؤمن (أي: السهارنپوري) بعلم الأرض المحيط لإبليس، وإذا جاء ذكر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا الشرك، وإنما الشرك إثبات الشريك لله تعالى، فالشيء إذا كان إثباته لأحد من المخلوقين شركا كان شركا قطعا لكل الخلائق، إذ لا يصح أن يكون أحد شريكا لله تعالى، فانظروا كيف آمن بأن إبليس شريك له سبحانه وإنما الشركة منتفية عن محمد صلى الله عليه وسلم]. وقال: [يطالب (أي: السهارنپوري) في علم محمد صلى الله عليه وسلم بالنص ولا يرضى به حتى يكون قطعيا، فإذا جاء على سلب علمه صلى الله عليه وسلم تمسك في هذا البيان نفسه على ص٤٦ بستة أسطر قبل هذا الكفر المهين بحديث باطل لا أصل له فى الدين وينسبه كذبا إلى من لم يروه بل رده بالرد المبين حيث قال: ((روى الشيخ عبد الحق قدس سره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا أعلم ما وراء هذا الجدار.)) مع أن الشيخ قدس الله سره إنما قال في مدارح النبوة هكذا: ((يشكل ههنا بأن جاء في بعض الروايات أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا عبد لا أعلم ما وراء هذا الجدار، وجوابه أن هذا القول لا أصل له ولم تصح به الرواية….)) وكذلك قال الإمام ابن حجر العسقلاني: لا أصل له.]. انتهى كلامه

ففي كلامه هذا اتهم البريلوي صاحب ‘البراهين القاطعة’ العلامة خليل أحمد السهارنپوري بأربع اتهامات، وهي كالتالي

١. أنه جعل علم النبي صلى الله عليه وسلم أقل من علم الشيطان اللعين
٢. أنه جعل العلم المحيط بالأرض شركا إذا أثبته أحد للنبي صلى الله عليه وسلم مع أنه أثبته للشيطان اللعين، فكأنه جعل الشيطان شريكا لله تعالى! نعوذ بالله منه.
٣. أنه طالب النص القطعي في إثبات علم النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه تمسك بما لا أصل له في نفيه
٤. وأنه قد كذب على الشيخ عبد الحق في نسبة رواية الحديث إليه، حيث لم يروه الشيخ عبد الحق، بل نقله للرد عليه والطعن فيه.

ويأتى الجواب التفصيلي عن هذه الإتهامات على الشيخ السهارنپوري فيما يلي، إن شاء الله تعالى

الجواب عن الإتهام الأول

أما قول البريلوي أن العلامة السهارنپوري جعل علم الشيطان أوسع من علم الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا بهتان عظيم. ولا بد أولا أن يتنبه القارئ على أن كتاب ‘البراهين القاطعة’ ليس كتابا مستقلا، بل هو رد علمي على كتاب آخر اسمه: ‘الأنوار الساطعة’، لمؤلفه مولانا عبد السميع الرامپوري، وعلى هذا لا بد من قراءة ما أورده الرامپوري في كتابه لتتبع كلام السهارنپوري ولفهمه الصواب، ولهذا تجد ‘الأنوار الساطعة’ في أعلى كل صفحة من البراهين القاطعة، وجواب السهارنپوري يشرع عند كل بحث بقوله: ‘أقول’ بعد أن نقل من كلام الرامپوري بقوله: ‘قوله…’ أي: قول الرامپوري

البحث الذي نحن بصدده يبتدأ من ص٥٢ وينتهي إلى ص٥٧ من النسخة التي تتوفر على الرابط التالي

https://ia700504.us.archive.org/…/Braheen-e-QatiaByShaykhKh…

وكلام السهارنپوري في هذا البحث هو حول دفاع الرامپوري عن اعتقاد كثير من المحتفلين بالمولد النبوي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر هذه المجالس وله علم بما يقع فيها. قام الرامپوري فى ‘الأنوار الساطع’ بالرد على زعم الشيخ عبد الجبار العمپروري أحد علماء ‘أهل الحديث’ (غير المقلدين) فى الهند (وله ترجمة في ‘نزهة الخواطر’) القائل بأن هذا الإعتقاد للمحتفلين بالمولد النبوي هو من الشرك فإنما هو الله تعالى وحده الذي يوجد في كل مكان، أي: بعلمه. فرد على هذا القائل الرامپوري بما حاصله: العالم أكبر بكبير من مجالس المولد والأوقات أكثر بكثير من الأزمنة التي احتفل فيها بالمولد، والله تعالى يحضر بعلمه في جميع الأمكنة والأزمنة، فعلى هذا لا يلزم البتة من قول القائلون بحضور الرسول صلى الله عليه وسلم في مجالس المولد الشرك بالله في الصفات الخاصة به. من البراهين نقلا عن الأنوار، ص. ٥٣ – ٥٤

ثم قال الرامپوري: عقيدة أهل السنة هي أن الله تعالى يختص بما هو خاص له، ومعنى الخصوصية هو أنه يوجد فيه ولا يوجد في غيره، أما العلم بجميع الأمكنة على ظهر الأرض فليس هذا مما يختص به الله سبحانه. ونقل عن معالم التنزيل للبغوي وشرح الصدور للسيوطي والمواهب اللدنية للزرقاني ما يثبت أن ملك الموت يقبض أرواح جميع المخلوقات من الإنس والجن والبهائم وجعلت الأرض له مثل الطست فيقبض من ههنا وههنا. قد جاء هذه الروايات في تفسير قول الله تعالى: ‘قل يتوفاكم ملك الموت’. ثم ذكر حديثا آخر رواه الطبراني وابن منده الذي يثبت علم ملك الموت بأحوال جميع الناس. ثم ذكر الرامپوري أنه لو اشتبه على أحد أن هذه الصفة إنما حصلت لملك مقرب فينبغي أن يعلم أن مثل هذا العلم ثابت للشيطان، فنقل عن رد المحتار لابن عابدين قوله: إبليس مع ابن آدم بالنهار…وأقدره على ذلك كما أقدر ملك الموت على نظير ذلك. من البراهين نقلا عن الأنوار، ص. ٥٥

ثم مثل هذه القاعدة بالشمس والقمر الموجودين في نظر الناظرين في جميع الأمكنة، وقال: فلو وقع نظر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أعلى العليين على جميع الأمنكة أو على أمكنة مخصوصة، لا بعد فيه ولا استحالة. ثم أخذ الرامپوري في إثبات كون النبي صلى الله عليه وسلم موجودا في جميع الأمكنة كوجود الشمس والقمر – بمعنى أنهما مرئيان في جميع الأمكنة ويقع نورهما فيها. (البراهين نقلا عن الأنوار، ص. ٥٦) هذا حاصل كلام الرامپوري.

ويبدو من كلام الرامپوري أنه يثبت العلم المحيط بالأرض للنبي صلى الله عليه وسلم بناء على كونه أفضل وأعلى درجة من ملك الموت والشيطان اللعين الذين قد ثبتت سعة علمهما بأمور الدنيا بدلائل كثيرة صريحة. فقام العلامة خليل أحمد السهارنپوري بالرد على هذا القياس الفاسد، والبحث – كما ترى – محصور في العلم بحوادث الدنيا وأحوال من مشى عليها، وليس هو فى العلم المطلق والعلم الذي عليه مدار الفضيلة أي: العلم بذات الله تعالى وصفاته وأحكامه وشرائعه إلى غير ذلك من العلوم العالية الشرعية النافعة والعلوم اللازمة للنبوة والرسالة، فإنه لم يتعرض الرامپوري ولا السهارنپوري للعلم المطلق ولا العلم الذي يدار الفضيلة عليه

فقال السهارنپوري في ضمن رده: [الحاصل: ينبغي أن يتأمل: إثبات العلم المحيط بالدنيا لفخر العالم (صلى الله عليه وسلم) نظرا إلى حال الشيطان وملك الموت ومخالفة للنصوص القطعية بلا دليل وانطلاقا من قياس فاسد: إن لم يكن شركا فمن أي حصة الإيمان هو؟!] من البراهين، ص. ٥٥

أما قوله في حق هذا الإعتقاد أنه شرك فيأتى البيان عن مراده به فى الجواب عن الإتهام الثاني إن شاء الله تعالى. والآن فليركز القارئ نظره على قول السهارنپوري: [إثبات العلم المحيط بالدنيا]. فالكلام إنما هو فى العلم الدنيوي لا العلم المطلق ولا العلم الذي عليه مدار الفضيلة

ثم قال السهارنپوري في نفس البحث: [فحضور الروح المبارك عليه السلام في أعلى العليين وكونه أفضل من ملك الموت لا يثبت به البتة كون علمه مثل علم ملك الموت أو أكثر منه في هذه الأمور] من البراهين، ص. ٥٦

فلينظر القارئ قوله صراحة: [في هذه الأمور] (بالأردوية: ان أمور مين). أي فى الأمور الدنيوية من الحوادث والكوائن وأحوال الرجال والنساء

ومع هذا كله قال البريلوي: [صرح في كتابه البراهين القاطعة…بأن شيخهم إبليس أوسع علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم]! فهل هذا إنصاف؟

والعلم المعتبر ليس هو العلم بالدنيا وأحوالها، فلا يطلق أبدا القول بأن فلانا أعلم من فلان بناء على كونه حاصلا لعلوم من الأمور الدنيوية أكثر منه. قال القاضي عياض رحمه الله فى الشفاء: [فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه (صلى الله عليه وسلم) فيه ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها وجعلها همه وشغل نفسه بها، والنبي صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملآن الجوارح بعلوم الشريعة مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية] (الشفاء، دار الحديث، ص٤٠٥) وقال الإمام الفخر الرازي: [يجوز أن يكون غير النبي فوق النبي في علوم لا تتوقف نبوته عليها] من تفسير الفخر الرازي، دار الفكر، ج٢١ ص١٥٠

هذا، وقد رد على هذا الإتهام العلامة السهارنپوري نفسه في كتابه المختصر المفيد ‘المهند على المفند’. ودونكم نص الكتاب

السؤال: أ ترون أن إبليس اللعين أعلم من سيد الكائنات عليه السلام وأوسع علما منه مطلقا؟ و هل كتبتم ذلك في تصنيف ما؟ وبم تحكمون على من اعتقد ذلك؟

الجواب: قد سبق منا تحرير هذه المسألة: أن النبي عليه السلام أعلم الخلق على الإطلاق بالعلوم و الحكم و الأسرار و غيرها من ملكوت الآفاق، و نتيقن أن من قال: ‘إن فلانا أعلم من النبي عليه السلام’ فقد كفر وقد أفتى مشايخنا بتكفير من قال: ‘إن إبليس أعلم من النبي عليه السلام’، فكيف يمكن أن توجد هذه المسألة في تأليف ما من كتبنا؟ غير أن غيبوبة بعض الحوادث الجزئية الحقيرة عن النبي عليه السلام لعدم التفاته إليه لا تورث نقصا ما في أعلميته عليه السلام بعدما ثبت أنه أعلم الخلق بالعلوم الشريفة اللائقة بمنصبه الأعلى، كما لا يورث الاطلاع على أكثر تلك الحوادث الحقيرة لشدة التفات إبليس إليها شرفاً وكمالاً علمياً فيه، فإنه ليس عليها مدار الفضل و الكمال، ومن ههنا لا يصح أن يقال: ‘إن إبليس أعلم من سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم’، كما لا يصح أن يقال لصبي علم بعض الجزئيات: ‘إنه أعلم من عالم متبحر محقق في العلوم والفنون الذي غابت عنه تلك الجزئيات.’ ولقد تلونا عليك قصة الهدهد مع سليمان على نبينا وعليه السلام وقوله: ‘إني أحطت بما لم تحط به.’ ودواوين الحديث ودفاتر التفسير مشحونة بنظائرها المتكاثرة المشتهرة بين الأنام… ومبتدعة ديارنا يثبتون للذات الشريفة النبوية عليه ألف ألف تحية وسلام جميع علوم الأسافل الأراذل والأفاضل الأكابر قائلين: ‘إنه عليه السلام لما كان أفضل الخلق كافة فلا بد أن يحتوي على علومهم جميعها كل جزئي جزئي وكلي كلي’، ونحن أنكرنا إثبات هذا الأمر بهذا القياس الفاسد بغير نص من النصوص المعتدة بها، ألا ترى أن كل مؤمن أفضل و أشرف من إبليس فيلزم على هذا القياس أن يكون كل شخص من آحاد الأمة حاويا على علوم إبليس، ويلزم على ذلك أن يكون سليمان عليه السلام عالما بما علمه الهدهد …و اللوازم باطلة بأسرها كما هو المشاهد. وهذا خلاصة ما قلناه في البراهين القاطعة لعروق الأغبياء المارقين القاصمة لأعناق الدجالة المفترين، فلم يكن بحثنا فيه إلا عن بعض الجزئيات المستحدثة، ومن أجل ذلك أتينا فيه بلفظ الإشارة حتى تدل أن المقصود بالنفي و الإثبات هنالك تلك الجزئيات لا غير، لكن المفسدين يحرفون الكلام ولا يخافون محاسبة الملك العلام، وإنا جازمون أن من قال: ‘إن فلانا أعلم من النبي عليه السلام’ فهو كافر كما صرح به غير واحد من علمائنا الكرام، ومن افترى علينا بغير ما ذكرناه فعليه البرهان خائفا عن مناقشة الملك الديان و الله على ما نقول وكيل

فانظر إلى قوله: [ومن أجل ذلك أتينا فيه بلفظ الإشارة حتى تدل أن المقصود بالنفي و الإثبات هنالك تلك الجزئيات لا غير]، وهذا حق واضح يراه قارئ هذا البحث من البراهين القاطعة بالسهولة، وقد أشرنا إلى موضع منه الذي صرح فيه العلامة السهارنپوري أن كلامه هو ‘في هذه الأمور’. وحتى فى العبارة التي نقلها البرليوي في ‘حسام الحرمين’ يلاحظ القارئ اسم الإشارة، فقال السهارنپوري: [هذه السعة قد ثبتت للشيطان وملك الموت بالنص] (البراهين، ص. ٥٥) ولم يفسر السهارنپوري في هذه الجملة مراده ب’هذه السعة’ اعتمادا على تتبع القارئ لسياق الكلام، فالمراد ب’هذه السعة’ (ولم يقل ‘هذه السعة فى العلم’ كما في ترجمة البريلوي) هي: السعة في علوم الدنيا من الحوادث والكوائن وأحوال البشر كما قدمنا

والإلزام الذي أورده العلامة السهارنپوري على القياس المذكور بقوله: [ألا ترى أن كل مؤمن أفضل و أشرف من إبليس فيلزم على هذا القياس أن يكون كل شخص من آحاد الأمة حاويا على علوم إبليس] إلخ، فقد ذكره بعينه فى البراهين القاطعة ص. ٥٥

فهل يقول المنصف بعد هذا أن العلامة السهارنپوري جعل علم الشيطان اللعين أوسع من علم الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟

الجواب عن الإتهام الثاني

وأما قول البريلوي أن العلامة السهارنپوري جعل إثبات العلم المحيط بالأرض من الشرك إذا أثبت للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أثبته هو للشيطان اللعين، فكأنه جعل الشيطان شريكا لله تعالى، فالجواب عنه بالإختصار أن العلامة السهارنپوري إنما جعل الشرك إثبات العلم الذاتي الغير المكتسب لغير الله تعالى، وأما ما أثبته للشيطان فإنما هو العلم المكتسب عن طريق الحواس

أما على وجه التفصيل فأقول أولا: لم يثبت العلامة السهارنپوري العلم المحيط بالأرض للشيطان كما زعمه البريلوي، وإنما أثبت للشيطان سعة العلم بأمور الدنيا بناء على الأدلة التي أوردها خصمه مولانا الرامپوري فى ‘الأنوار الساطعة’، وأنكر القول بإثبات ‘العلم المحيط بالأرض’ للنبي صلى الله عليه وسلم بناء على قياس أفضليته. فهذه هي عبارة السهارنپوري [الحاصل: ينبغي أن يتأمل: إثبات العلم المحيط بالدنيا لفخر العالم (صلى الله عليه وسلم) نظرا إلى حال الشيطان وملك الموت ومخالفة للنصوص القطعية بلا دليل وانطلاقا من قياس فاسد: إن لم يكن شركا فمن أي حصة الإيمان هو؟!] (البراهين، ص. ٥٥) وحال الشيطان وملك الموت التي يتكلم عنها هي ما أثبتها الرامپوري من سعة علمهما بأمور الدنيا، لا العلم المحيط، فإن الشيخ السهارنپوري لم يثبت مثل هذا العلم للشيطان قطعا.
ثم ينبغي للقارئ أن يتأمل: ما هو الجواب العام الذي أورده السهارنپوري على القياس المذكور؟ حتى يتمكن من الفهم الصحيح لمراد السهارنپوري من هذه العبارات. والحديث في هذا الجواب العام هو الذي استغرق معظم كلامه في هذا البحث، ولم يتعرض له البريلوي أصلا، فإن فيه ما يفضح تلبيساته وتحريفاته لكلام السهارنپوري

يقول السهارنپوري أولا ردا على قول الرامپوري: العالم أكبر بكبير من مجالس المولد إلخ: إن عقيدة الأمة الإسلامية هي أن العلم الذي آتاه الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من المخلوقات، فإثبات أكثر منه ولو بأقل قليل هو من الشرك. قال تعالى: ‘وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو’. وجاء فى البحر الرائق والفتاوى الهندية ورد المحتار وغيرها من كتب الفقه أن من أشهد الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم على نكاحه فقد كفر فإنه أثبت للرسول صلى الله عليه وسلم علم الغيب. وهذا إنما في إثبات العلم بمجلس النكاح، ولم يشترط أحد في كون هذا الإعتقاد كفرا أن يعتقد مساواة علمه بعلم الله تعالى كيفا وكما. من البراهين، ص. ٥٣

ثم قال السهارنپوري ردا على قول الرامپوري: عقيدة أهل السنة هي أن الله تعالى يختص بما هو خاص له إلخ: بل إن عقيدة أهل السنة هي أنه لا توجد صفة من صفات الله تعالى فى الخلق أصلا، وأما ما آتاه الله تعالى خلقه من ظل صفاته كالسمع والبصر والقدرة والعلم فلا يمكن لأحد منهم أن يزيد فيه بشيء، فما آتاه الله الشيطان وملك الموت من السعة (في علم الدنيا) وما خلق الله الشمس والقمر عليه (من سعة نورهما) ليس في قدرة هؤلاء أن يزيدوا على ذلك من شيء، ولا يتوقف الفضيلة على قلة هذه الأشياء ولا كثرتها. كان موسى عليه السلام أفضل من الخضر عليه السلام، ومع هذا لم يكن عنده ما كان عند الخضر من علم الكشف، وبالتالي لم يكن في قدرة الخضر أن يزيد على ما قد أوتيه من علم الكشف. من البراهين، ص. ٥٤-٥٥

ثم قال السهارنپوري ردا على قول الرامپوري: أما العلم بجميع الأمكنة على ظهر الأرض فليس هذا مما يختص به الله سبحانه إلخ: الذي يختص الله تعالى به في صفة علمه هو كون علمه ذاتيا وحقيقيا، ولازم كون صفة علمه هكذا: إحاطة علمه بكل شيء. أما علم جميع المخلوقات فهو مجازي ظلي، فإنه مستفاد من الله تعالى على قدر العطاء. فحضور الرسول صلى الله عليه وسلم في أعلى العليين وكونه أفضل من ملك الموت لا يثبت به البتة كون علمه مثل علم ملك الموت أو أكثر منه في هذه الأمور. وإثبات هذا العلم بناء على القياس هو جهل إن لم يكن شركا. من ص. ٥٦

هذا كله من كلام السهارنپوري، ولم أزد فيه شيئا من نفسي

فيرى القارئ الكريم أن ما يعتبره العلامة السهارنپوري من الشرك هو: إثبات العلم بشيء ما لمن لم يثبت له العلم به من طريق المشهادة أو من طريق الدلائل الصريحة النقلية، فإن إثبات مثل هذا العلم له هو إثبات العلم الذاتي الغير المكتسب لذلك الشخص، وهو خاص بالله تعالى ولا يشاركه فيه أحد. وإثباته بناء على كونه أفضل ممن ثبت له العلم بالشيء الفلاني، لا من طريق إثبات اكتسابه بالأدلة المعتبرة، هو من الشرك، فإن حاصله أن له علما ذاتيا غير مكتسب. هذا هو حاصل رد السهارنپوري على الرامپوري، وهو رد علمي دقيق

إنما أثبت السهارنپوري العلم المكتسب للشيطان، فقال في ص٥٤: [السعة التي أوتيها الشيطان وملك الموت]، وقال بعد أسطر: [وحال هذه السعة فى العلم التي أوتيها الشيطان وملك الموت قد ثبتت بطريق المشاهدة والنصوص القطعية] (البراهين، ص. ٥٥) فانظر كلمة: [أوتيها]. تنبيه: وليلاحظ القارئ وجود اسم الإشارة ‘هذه’ (بالأردوية: ‘يه’)، وهو يرجع إلى العلم بأمور الدنيا لا العلم المطلق كما زعمه البريلوي، وكما بيناه فى الجواب عن الإتهام الأول

وقد صرح العلامة السهارنپوري بأن مراده في إثبات الشرك لمن يعتقد العلم المحيط بالدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لمن يعتقد كون هذا العلم علما ذاتيا. فقال السهارپوري عند اختتام بحثه هذا: [وهذا البحث إنما هو فيمن يعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم علما ذاتيا كما هو عقيدة الجهلاء، أما من يعتقد هذا وقال هو بإطلاع الله عليه فهو ليس بشرك ولكن لا يصح هذا القول بغير دليل يعتبر فى الشرع] من البراهين، ص. ٥٧)

فهل علينا أن نطول الكلام بعد تصريح السهارنپوري هذا؟

الجواب عن الإتهام الثالث

أما زعم البريلوي أن العلامة السهارنپوري طالب النص القطعي في إثبات علم النبي صلى الله عليه وسلم وتمسك بما لا أصل له في نفيه، فالجواب عنه أنه إنما أتى بحديث [ما أعلم ما خلف جداري هذا] تمثيلا لا حصرا، فادعى السهارنپوري أنه ثبت عدم إحاطة علمه الشريف صلوات الله عليه وسلامه بجميع الأمور الدنيوية بدلائل كثيرة ، وأتى بهذا الحديث تمثيلا بعد ما أورد آية من القرآن وهي قوله تعالى: [قل…وما أدري ما يفعل بي ولا بكم] (البراهين، ص.٥٥) والآية قطعية، وهي تفيد عند جمع من العلماء عدم علمه صلى الله عليه وسلم بما يفعل به على سبيل التفصيل وإن كان عنده العلم به على سبيل الإجمال. وهناك أدلة كثيرة التي تدل على عدم إحاطة علمه الشريف بجميع الحوادث الدنيوية كما لا يخفى على أهل العلم

الجواب عن الإتهام الرابع

أما قول البريلوي أن العلامة السهارنپوري كذب على الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي في نسبة رواية هذا الحديث إليه، حيث لم يروه الشيخ عبد الحق، بل نقله للرد عليه والطعن فيه، فالجواب عنه أن العلامة السهارنپوري إنما قال: [وروى الشيخ عبد الحق: ((ما أعلم ما خلف جداري هذا))] (البراهين، ص.٥٥) ولم يحل على كتاب معين للشيخ المذكور. وما نقله البريلوي من كلام الشيخ عبد الحق إنما هو من كتابه مدارج النبوة

والحقيقة أن العلامة السهارنپوري لم ينقل من كتابه هذا كما توهمه البريلوي، وإنما نقل عن شرحه على مشكاة المصابيح المسمى ب’أشعة اللمعات’، فعند حديث المشكاة: [ألا تتقى الله؟! ألا ترى كيف تصلي؟ إنكم ترون أنه يخفى علي شيء مما تصنعون. والله إني لأرى من خلفي كما أرى من بين يدي!] قال الشيخ عبد الحق ما ترجمته بالعربية: [ليعلم أن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه وخلفه إنما وقع بطريق خرق العادة، من الوحي والإلهام، وإنما وقع في بعض الأحيان لا على سبيل الإستمرار، ويؤيده ما جاء فى الحديث أنه لما ضل ناقته ولم يدر مكانه قال المنافقون: زعم محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه يأتي بأخبار السماء ولم يدر مكان ناقته. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: والله ما أعلم إلا ما علمني الله تعالى، وقد أخبرني الله أن ناقتي هي فى الشعب كذا وقد تعلق زمامها بشجرة. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: إنما أنا بشر، ما أعلم ما خلف جداري هذا. يعني: من غير إعلام الله تعالى إياي] من أشعة اللمعات، ج١ ص٣٩٢

ففي هذا الكتاب قد أرود هذا الحديث الشيخ عبد الحق في معرض الإحتجاج ولم يطعن فيه. وقال العلامة السخاوي عن هذا الحديث: [حديث: ما أعلم ما خلف جداري هذا، قال شيخنا (أي: الحافظ ابن حجر العسقلاني): لا أصل له، قلت: ولكنه قال في تلخيص تخريج الرافعي عند قوله فى الخصائص: ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه: هو فى الصحيحين وغيرهما من حديث أنس وغيره، والأحاديث الواردة في ذلك مقيدة بحالة الصلاة، وبذلك جمع بينه وبين قوله: لا أعلم ما وراء جداري. انتهى. وهذا مشعر بوروده] من المقاصد الحسنة، دار الكتب العلمية، ص٣٥٩

فلم يكذب السهارنپوري في نسبة رواية الحديث إلى الشيخ عبد الحق، والحمد لله تعالى

ولا غرابة في معنى هذا الحديث وإن لم يثبت، وقد جاء معناه في غيره من الأحاديث. منه ما جاء فى الصحيحين: [اطلع رجل من جحر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فقال: «لو أعلم أنك تنظر، لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل  البصر»]، ففيه أنه لم يكن مطلعا على اطلاع هذا الرجل من الجحر مع كونه وراء الجدار

وهذا القدر يكفي للمنصف فى الجواب عن اتهامات البريلوي على العلامة السهارنپوري – بإذن الله تبارك وتعالى

2 Responses to Refutation of the False Allegations against Shaykh Khalil Ahmad Saharanpuri [Arabic]

  1. […] Refuting Allegations against Maulana Khalil Ahmad Saharanpuri (الجواب عما اتهم به العلامة خليل أحمد السهارنفوري) […]

Leave a comment